الجزيرة ابا
,¸¸سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك¸,

مرحبا بك فى منتدى الجزيره ابا



تحباتى المدير العام


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الجزيرة ابا
,¸¸سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك¸,

مرحبا بك فى منتدى الجزيره ابا



تحباتى المدير العام
الجزيرة ابا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دراسة نقدية لشعر حميد – 1

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty دراسة نقدية لشعر حميد – 1

مُساهمة من طرف مصعب حامد الكامل الأربعاء يونيو 08, 2011 12:24 pm

دراسة نقدية لشعر حميد – 1
بقلم الاستاذ/ القاص الأديب فيصل عباس


كل أمة تزهو بشعرائها وتزدهي بهم ؛ لأنهم لسانها الناطق وضميرها الحي المعذب ، فالشاعر إنسان مرهف العاطفة ، متقد الإحساس ، واسع المخيلة إحساسه بالأشياء يختلف عن الآخرين فما لا يثير الإنسان العادي يولد لدى الشاعر آلاف المعاني ، لذا فالشاعر هو إنسان خارق للعادة. كما أن الشاعر إنسان مرهوب الجانب تخشاه الملوك وتخطب وده السلطات ويحبه الجمهور ، فما قد يفعله الشاعر ببيانه ولسانه ما لا تقوى عليه السلطات بكل إمكاناتها وقدرتها وكم من ممالك هدمتها ألسن الشعراء وكم من بيوت هدتها أبيات الشعراء ، وكم صدح الشاعر بما عجزت عنه الجماهير وكم تحركت من أجلهم ، والشاعر إنسان معذب على الدوام لأنه يحمل هم الأمة كلها ويحمل وزر كلمته وحده ، فكم شاعر قطعت كلمته عنقه وكم شاعر غنى لوطنه فنفاه هذا الوطن عنه ، وكم شاعر صدح للمجتمع فعاداه المجتمع لأنه واجهه بعيبه".

أن أكتب عن حميد هذا لا يعني أن اقرع طبول الحرب ضده وأثير السخط عليه ، وأيضا لا أريد أن أنفخ أبواق الدعاية له وأكيل له المدح بما يستحقه وما لا يستحقه ؛ ذلك لأنني لا أحمل له أي تحيز مسبق فأنا لم ألتقِ به قط إلا من خلال أبياته ، ولم أناقشه أبدا إلا بواسطة مفرداته . كما إن أعماله - التي سوف أناقشها في هذه الدراسة - وصلتني بطريقة أبعد ما تكون عن الطريقة الشخصية.
حميد من الشعراء الرافضين لواقع المجتمع الساعين لتغيير هذا الواقع ، وهو من جيل الشعراء القلة الذين ابتعدوا عن الغناء لذاتهم وغنوا لأوطانهم ومبادئهم أمثال أحمد مطر وأمل دنقل ، إلا أنه يختلف عنهم في الكتابة بالعامية دون الفصحى وعدم طباعة أيٍ من أعماله في كتاب يحمل اسمه وسنتناول هذا الأمر بشيء من التفصيل فيما بعد إن شاء الله.

عندما أردت الكتابة عن حميد كنت بين خيارين هل أتناول قصائده واحدة إثر الأخرى كـ( ست الدار ، الضوء وجهجهة التساب ، السرة بت عوض الكريم ، كرويات ، سكة السفر الحزين ، ...الخ ) ؟ أم أتناول السمات العامة لكل أعماله ؟ ولأن لكل خيار إغراءاته التي لا تقاوم صعب علي الاختيار وأخيرا أستقر رأيي على تناول السمات العامة لقصائده مع عودة لبعض القصائد بشيء من التفصيل.
وقد نهجت في الكتابة عن حميد منهجاً قد لا يكون هو أفضل الطرق في تناول القصائد حيث تناولت في حميد عدة ملامح كالملامح الدينية ، والملامح الرمزية ، والمرأة في شعر حميد ، والملامح الاشتراكية ، وملامح متفردة في شعر حميد ، وموافقات حميد لشعراء سابقين ، والحكمة في شعر حميد ... الخ ولست ازعم بهذا إن هذه هي افضل الطرق للتناول بل أنها قد تكون طريقة تفقد النص بعضا من مميزاته ولكن كان القصد من هذا هو معرفة بعض الجوانب التي سلطنا عليها الضوء آملين أن نوفيها حقها دون أن نفقدها ولو قليلا من معناها العميق فإن أصبنا فالحمد لله وإن جانبنا الصواب فعسى أن يكون خطأنا بمثابة تحذير لمن يتناول حميد بالدراسة لكي لا يقع في ما وقعنا فيه من أخطاء ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.


مصعب حامد الكامل
مصعب حامد الكامل
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه

عدد المساهمات : 66
نقاط : 138
تاريخ التسجيل : 07/12/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty دراسة نقدية لشعر حميد – 2

مُساهمة من طرف مصعب حامد الكامل الأربعاء يونيو 08, 2011 12:28 pm

دراسة نقدية لشعر حميد – 2
بقلم الاستاذ/ القاص الأديب فيصل عباس



الملامح الدينية في شعر حميد :

إن حميد في شعره يتحدث إلى مجموعة من الأفراد إذن لابد له من أن يستصحب معه أعرافهم وتقاليدهم ولا يجب أن يهمل المعتقد الديني كعامل مهم ومؤثر في حياة الأفراد ، فرؤية حميد للدين إذا تأملناها وجدناها رؤية عميقة من حيث التناول والفهم ، ولم يذكرها لمجرد إقبال الناس عليه أو خوفا من أن ينعت باللادينية وحميد أخذ أجزاء كثيرة في شعره من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيرة وأقوال صحابة وإذا أردنا أن نتصفح بعض هذه النواحي في شعره نجدها كثيرة فخذ مثلا في قصيدة "الضو وجهجهة التساب" المعروفة باسم (البحر) إذ يقول حميد :

والضو شطب جهة اليمين من حجا إلى أن آمنين
وبيَّن بي دمو البسملة
وبي خط خلاويهو المكعوج والحرف واضح تخين
بي دم وطين
الضو كتب فوق باب أمير المؤمنين
" ما ضر بيت أبي لهبْ
لو ظلَّ بين المؤمنينْ
لـو جاء فينا ما ذهبْ
يا مسلمين بغير دينْ"
ومضى اسمو بين قوسين (غضبْ)
والمية أوووو كاللظي
رمت الدهاليز والأوض بس فضل الباب العظة

إننا إذا نظرنا إلى سيرة المصطفى لا يخفى علينا التشبيه الشديد لهذه الأبيات وحادثة المقاطعة بين قريش وآل عبد المطلب التي كتبت في الصحيفة وعلقت في داخل الكعبة وكانت كلها ظلما وجور فأكلتها الأرضة كلها ولم تترك إلا كلمة " بسمك اللهم" ، فإذا نظرت إلى هذه الأبيات مرة أخرى أليست هي نفسها أن يسقط البيت كله إلا الباب الذي سجل فيه الضو ما يريد كأن البيت هو صحيفة قريش بكل دهاليزه وغرفه أما الباب فهو كلمة الحق الوحيدة بما سجله فيه الضو مثل كلمة "بسمك اللهم".
والأبيات نفسها تحمل رمزية شديدة فالضو لم يشطب الفعل رفضاً للدين ، إنما شطب التظاهر والتفاخر بالمظاهر الدينية فهو عندما شطب (حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً... أدخلوها بسلام آمنين) لم يشطب الدين إذ أنه (بيَّن بي دمو البسملة) لكي تكون بداية ما يريد أن يكتب فهو يجعل الضو ذو خلفية دينية تعرف الدين جيداً (بي خط خلاويهو المكعوج )ويوضح لماذا فعل ذلك بـ(يا مسلمين بغير دين) واستخدام كلمة مؤمنين له دلالة عميقة إذ أن بيت لبي لهب لا يضر إذا ما كان بين المؤمنين الحقيقيين ولكنه بين مسلمين اسماً فقوله تعالى يفرق بين الإيمان والإسلام : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان إلى قلوبكم ) فالفرق بين الإيمان والإسلام هو الفرق بين الدين والتظاهر بالدين .
وهو عندما يتحدث عن المنادين بالدين لغرض أو مدعيي التدين يقول ليفضح ممارستهم التي يتسترون بالدين لفعلها:

فِقرا تغش الله وتخش بيتو وتسرقو ورا العشا

أنظر كم من الملامح الدينية في هذه الكلمات على قلتها "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" فالدين الذي لم ينهى هؤلاء عن الغش والسرقة بعد صلاة العشاء ليس ديناً حقيقياً كما يقول وضاح عثمان عبد الجليل :

يا مؤمنين .... لو كان دا دين ..
تبت أيادي المسلمين
تبت أيادي الما بيكفر
ويطرش هتاريش اليمين

إذ أن الدين في نظر هؤلاء هو ممارسة الشعائر فقط دون اعتناقها اعتناقاً فعلياً ، وحميد يرفض أن يكون الدين عباءة يلبسها اللابسون لغرض في نفوسهم ونفوسهم لم تتشبع بأهداف الدين النبيلة فالله ليس حكراً على أحد بل هو سميعٌ لكل من دعاه قريبٌ لمن يلوذ به والدين غنى عن ترف المظاهر فخذ قول حميد في قصيدته كرويات مخاطباً أحد الذين يخادعون باسم الدين:
يا متلبك في الأدران ... الحجـر الأسـود مـاهو البروة
وماها الكعبة مكاوي تجيها ... حين ينكرفس توب التقوى
ومافي خرط للجنة تودي وما في خطط ممهـورة برشوة
والمشروع الديني الخـالص ... ما محتاج لدراسة جدوى
ويات من قال "يا رب" من قلـبو ما رد الخالق دايما "أيوة"
أقوى ولف بشكيرك فوق الراس النشف غيرك لا تستهوى

فهذه هي الطريقة الظاهرية للدين إذ يكون الحجر الأسود عبارة عن صابونة ، والتقوى إنما هي ثوب قابل للاتساخ والكي بعد أن "يتكرفس" ، فالدين ليس ثوبا يتسخ فيخلعه الإنسان في الكعبة المشرفة ليغسله بالحجر الأسود ، أما الكعبة في وجهة نظر هؤلاء إنما هي مكوة تزيل "الكرفسة " في هذا الثوب ، أما مشروع الدين فهو واجب من الله لا يحتاج لدراسات الجدوى من قبل الحكام ليتبينوا الربح والخسارة فيه ، والله لا يستمع إلى بعض العبيد ويتجاهل البعض الآخر (ويات من قال "يارب" من قلبو ما رد الخالق دايما "أيوة" ؟) لأن الله تعالى يقول :"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي .." والرسول يقول :" أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة " وحميد في نظرته للدين لا يعمد إلى النظرة الضيقة أو ينظر إلى الشعائر التي هي عبارة عن مظهر دون جوهر ، بل يعمد إلى الجوهر وينفذ إليه كنفاذ الضوء من الزجاج دون أن يكسره أو يخدشه ، ففي قول حميد في قصيدة الضو وجهجهة التساب انه لا يريد أن يصلي ويقرأ القرآن كالغناء ... بل يريد أن يستحضر جلال الموقف ولوازمه من طهارة القلب والجسد ، وطهارة القلب بحسن المقصد وطهارة الجسد حسية بالنظافة التي تعذرت لأن مكان قضاءها قد ذهب مع طوفان البحر ثم يستحضر الحمامة التي بعثها نبي الله نوح لتعرف هل يبست الأرض أم لا فيخاطبها قائلاً:

صلاية قرآن غير غنا
صل ياحمام قدامي أنا
غرقان لي في أنجاس لي هنا
ما شال مراحيضنا البحر
طفَّح زفارات كم سنة
بي إيش أتوضأ وأغتسل ؟
بي إيش يا ربنا ؟؟

ففي مرارة التساؤل تلمح الحوجة ولكن إذا علمت أن الضو في هذا التساؤل كان وهو في لجنة الفيضان لعلمت أن السؤال ليس لحوجة المياه فالمياه موجودة ولكنها ليست صالحة كما أن إدعاء الدين وشعائره موجودة ولكن هل هي صالحة ونقية أم أنها كالمياه التي غرق فيها حتى رأسه ولم يجد رغم ذلك الماء الذي يجعله طاهراً للوضوء؟

أما في قصيدة الحرية فتلمح قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" كلكم لآدم وأدم من تراب " في قول حميد الذي قدم السلام الذي هو المرادف للإسلام ، كما ذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرؤ ما نوى " فطريقه بياض النية كما قال ، والأروع أن الخطاب في القصيدة ليس موجها لفرد معين أو جماعة معينة بل لكل ابن آدم:
إنساني شعوب تتسالم ...... نتسـالم بي حنية
على نخب الود نتنادم ...... لا جنس ولا لونية
لا عرق لا آهـنتقادم ....... سكتنا بياض النية
مش كلنـا مـن آدم ؟ ...مش آدم أبو البشرية؟
السجـن إذن يترايم ........نبنيه قـلاع ثورية
مد كفك يا بني آدم .........حرية سـلام حرية

بالرغم من روعة التناول في هذه الأبيات ورغم أن حميد اتجه فيها إلى لزوم ما لا يلزم حيث قيَّد نفسه بقافيتين إحداهما في صدر البيت والثانية في عجزه إلا أن السمة الواضحة هي ربطه في الصياغة الأبيات للسبب الديني ومن ثم يعقبه الهدف الذي من أجله صاغ القصيدة :
مش كلنا من آدم ؟ ..... مش آدم أبو البشرية
السجن إذن يترايم ....... نبنيه قـلاع ثورية
مد كفك يا بني آدم ........حرية سـلام حرية

وتظهر كذلك اللمحة الدينية واضحة في شعر حميد في قصيدة من القصائد التي لم تلق شهرة واسعة كالسرة وست الدار والجابرية رغم أنها ممتلئة بالكثير من المعاني الجميلة وهي قصيدة "البحث عن ذاكرة لوطن مفقود" وفيها يقتبس حميد من الآيات القرآنية التي نزلت في استشهاد الصحابي الجليل مصعب بن عمير خير فتيان مكة في الجاهلية والإسلام وتحض على الثبات على المبدأ حيث يباشر حميد صياغة معنى بهذه الآية حيث يصوغ عليه كلمات تطابق المعني حينما يقول :
فينا من روَّح فدايتك ..
وفينا من لا زال …
وفينا
ما في من بدل لرايتك

أليست هي نفس الآية :" ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ".
كما إنني ألمح في قول حميد في قصيدة "مصابيح السماء الثامن" حينما أراد حميد حث الجمهور إلا أن يتمثل قصة السيدة أسماء بنت أبي بكر عندما جاءها ابنها عبد الله بن الزبير حينما حاصره الحجاج في مكة فذهب إلى أمه يستشيرها فقالت له :" بئس العبد أنت إن كنت تدافع عن الباطل فقد أهلكت نفسك وأصحابك ، وإن كنت تدافع عن الحق فامضي لما مضى له اخوتك " فقال:" يا أماهـإنما أخشى التمثيل بجثتي فقالت قولتها المشهورة :" إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها ". فتمثل حميد قولها في قصيدته حيث يقول :

"ما ضر من بعد الغرق
جوف الضحية إذا إنشرق ؟"

ثم يحض نفسه على مواصلة ما بدأه قائلاً:
يا سيفي هوبي على الكتل

وحميد يقسم الناس إلى فئتين لا غير ... فئة تأخذ الدين وسيلة للوصول إلى رغباتها وغاياتها دون أي إيمان حقيقي بهذا الذي تنادي به ، بل هو درع تستتر به من الناس وهذه الفئة محسوبة على الدين تضره ضرراً بالغاً أكثر من الذين يجاهرون بعدائهم للدين ، والفئة الثانية فئة مخدوعة بوهم الاعتماد على الغير في رفعة حالهم وليس للدن مكانة عندهم فهو يقول على لسان ست الدار:
واتذكرت كلامك لي
اتذكرت كلامك لي ...
إنو في ناس لاعبين بالدين ...
وناس لا عبابا الأمريكان

وهو بهذا لا يبتدع بدعة جديدة في النظرة العامة التي كانت سائدة عن الدين والرأسمالية ، رغم أنه هنا يقف بصورة غير واضحة مع الدين فهو ينزه الدين ويجعل الخطأ في الذين يطبقونه فيقول (ناس لاعبين بالدين) وليس الدين هو الذي يلعب بالناس ، بينما ذكر أن الرأسمالية هي التي تلعب بالناس.
وفي قصيدة السرة بت عوض الكريم يقول :
من بعد ما انبلج الفرج من ضيقا ...
خدعوها بي حيلة كتاب
رفعوهو فوق سن الحراب

وهي إشارة واضحة لما حدث في الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وخدعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري في رفع المصحف على أسنة الرماح عندما كاد جيش علي أن ينتصر وما أعقبها من انقسام بين صفوف ابن أبي طالب ووجود الخوارج الذين خرجوا عليه لا تخفى على أحد ، وحيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح هي الحق الذي أريد به باطلا لذا نجد أن حميد يرمز إلى خديعة الشعب بنفس طريقة الحق الذي أريد به باطلا.

والجانب المسيحي في الدين نجد أن حميد لا يتجاهله بحكم انتماءه للدين الإسلامي إذ يقول حميد:
اشتكيتك لي القمر
لما أنسام السحر
الرياحين والزهر
شهدوا لي عليك يا إخية
جاء القمر سواك برية
وباعتزاز في إبرة حية
صاح في جمعنا يا برية
من يكن من غير خطية

فهو يأخذ قول السيد المسيح عليه السلام حينما قال :" من كان منكم بغير خطيئة فيرمها بحجر" ، فهو في هذه القصيدة يشكوها بشكوى واضحة بشهودها وحكمها ، فالحكم هو القمر والشهود أنسام السحر والرياحين والزهر ورغم الشهود فإن القمر يبرئها من التهمة المنسوبة إليها آخذاً قول السيد المسيح :" من كان منكم بلا خطيئة فيرمها بحجر" فيتجرأ هو ويرمها ولكن ... بالتحية
وحميد يورد ذكر الكثير من الأنبياء في قصائده ، وتجد إشارات جمة لقصص الأنبياء بما يتوافق وحال القصيدة التي ذكرها حميد وهو بهذا يلقي في أذن المتلقي ألوانا شتي من الخلفية الدينية ففي قصيدة البحث عن ذاكرة لوطن مفقود يقول:
(يوسف) الفي الجب يمرق
ضاربا ريقة اليلقي قوت
روقي أكنك ..
واللا كنك ..
تاوقي في البحر الخرافي ..
(يونسك) في ياتو حوت
سمَّ ينده جوفو حافي ..
وهطينا علي الأثافي ….
وهبي نارك لا تموت
يا حمامة غار (محمد ..)
يا خيوط العنكبوت


ففي أبيات قليلة كهذه نجده يذكر سيدنا يوسف عليه السلام وقصة إلقاءه في البئر ، ويذكر سيدنا يونس عليه السلام وهو في جوف الحوت ، وكذلك يعرج على قصة الهجرة لرسولنا الكريم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه في الغار مع الحمامة والعنكبوت ، والقاسم المشترك لكل هذه القصص التي حدثت للأنبياء نجد الانقطاع التام عن العالم فالبئر والحوت والغار هم من أكثر المناطق خفاءً وعزلة في الأرض ، وإذا ما ذكر أحد هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ففور السماع تتبادر إلى الذهن القصة بكامل حذافيرها.

ثم وفي نفس القصيدة يأتي حميد لذكر قصص بعضا من الصحابة الإجلاء ومنهم من ذكره بالاسم أبو ذر أو بالقصة كمصعب بن عمير أو قصة سارية وعمر بن الخطاب فيقول:

فينا من روَّح فدايتك ..
وفينا من لا زال …
وفينا
ما في من بدل لرايتك
وانتي في ذات السكوت !!!
التراب يتشهي حنك ..
السحاب عابر يفوت
واللا يكمد للعيون
بالغبار غمة وسوافي
وأنتي يا آخر المرافئ
يا أم وجوداً صار خرافي
في صحاريك داخ غفاريك ..
من برد زمنو الرعافي
دون كواريك ..
مات واتاريك
غبتي بي كل المرافئ
يا لساريك .. لاك موافي
لا كمان قادرين نسيبك
نمشي في الزمن المجافي
ما عهدناك عاد تخافي

أما ما لا يريده حميد فهو جعل الدين وسيلة من الوسائل لكسب الدنيا وإلا هجر الدين سوى كان الدين الإسلامي أو المسيحي أو غيره ، فحميد في نظرته للأديان لا يفرق بينها بل يعلم أنها جميعها أديان الله وهو في نظرته للممارسات غير الصحيحة باسم الدين نجد غضبه للإسلام نفس غضبه للمسيحية وفي نقده للدينين بمنظور واحد فحين يقول :
إلا يا .. آخ … ما لقينا
الجوامع مستباحة ..
والمصلين صر جنب
الكنائس جالبا دينا !!
والمدينة تبيع عوينا !!!
لي النخاسية الغرب
لي اللحاسية وعقب
تشتري آفات الرعب

فحتى في نقد حميد للممارسات باسم الدين نجده لا ينسى تنزيه الدين من النقائص ، فالجوامع وقع عليها فعل الاستباحة من المصلين الذين لم يراعوا حقوق الدين فهم كلهم عليهم الجنابة (صر جنب) ، أما الكنائس فهي تعرض دينها للبيع وربما تكون هذه إشارة لممارسة قديمة هي بيع صكوك الغفران ، كما في استفظاعه لهذه الممارسات يقرن بها بيع الأبناء لتشتري بها أشياء هي من باب الآفات المرعبة.

وحميد أيضاً يقول في قصيدة السرة بت عوض الكريم في نفس الغرض منزها الدين جاعلا هذا الظلم من الذين يتحدثون باسمه فيقول:


ظلم الحُكم ياهو الظلم كان من جوامع كان كنيس
يبرا السما ...يبرا محمد سيدي يبرا المسيح


فحميد يقرن البراءة من هذا الظلم لله ولرسله فقوله يبرأ السماء يقصد بها تنزيه الله تعالى من الظلم ، وحينما يقول يبرأ محمد سيدي يبرأ المسيح فهو في حقيقة الأمر ينزه الرسل والأديان من الظلم حتى وإن جاء من مكان ممارسة هذه الأديان وعلى يد من يتبعونه وباسم هؤلاء الرسل عليهم السلام ، وليس ذلك فقط فخذ قوله عندما افترض أن الدين فقد جوهره عند الناس وصار التعامل بالقشور ففي هذه الحالة يكون الحال:

تختا الدراويش الضريح ..
يسكن خلاوينا الجنون
يهجر جوامعنا الإله
يا نورا آه ..
تطرح غيوم الشوق تئن ..
تشرق
تموت
خيل .. كلمة الحق التناهد في الشفاه
يعقر بسيمة الصح
مع لوبي الجروف
تغرز ضريعات الحروف
ينشف مراح الأمسيات ..
تتمطق الأرضة المروق والأغنيات
اللّي الشروق ..
والأرض
والحب والمطر
تتضهب تتوه ..

فأي ضياع اكثر من ذلك إذا فقد الدين القدرة على غسل دواخل الناس؟
ونجد أن حميد ينزه الدين من أغراض كثيرة وأخطاء ارتكبت باسمه فهو يرى أن الدين برئ من هذه الوجهة بل ويدافع عن الذين لديهم الجرأة لمواجهة الأخطاء فهم في الغالب أناس شرفاء ولكن دفعهم للخطأ ومجابهته جعلت الناس أو أصحاب الأغراض تثير ضدهم الزوابع وتتهمهم في أنفسهم لينشغلوا بالدفاع عنها دون الدفاع عن الحق فحميد عندما جعل الضو يبكي في قصيدة البحر لم يكن البكاء الذي يصدر عن الرجل بكل عنفوانه هو بكاء الألم أو بكاء الحاجة بل هو بكاء القهر إذ يقول حميد :
الضو بكى
بكى ما بكى
بكاهو حس الطائرات
بكاهو قدرتو تنتهي
بكاهو يرجى المعجزات
بكاهو يقنع بالرحيل
بكاهو ما كان الشدر ... ما الطير وما كان النخيل
بكاهو كيف سد شبر... من موية يصبح مستحيل
بكاهو يلغط في البحر ... والغيرو يشرب سلسبيل
بكاهو البينضم في الغلط ... يا قالو ملحد يا عميل

فالضو رجل لا تهمه الثروات المادية فالشجر الذي يموت في الفيضان والسعية التي غرقت والنخل الذي هاجر عنه كلها أشياء لا تجعل الضو يبكي بل يبكيه ضياع بلاده والفرقة التي تحدث بين الشعب والحكام فعامة الشعب تعاني الأمرين (يلغط في البحر) والحكام في ترفهم ولذاتهم (والغيرو يشرب سلسبيل) وأيضا يبكيه أن الذي يتحدث عن الغلط تكال له التهم الجاهزة فهو إما أن يجرد من الدين أو يجرد من الوطنية فهو إما ملحد أو عميل ، وإذا تساءلنا عن علاقة حديثه هنا بالدين وكيف نفى عن هذه التهمة نجده يقول في الأبيات التي بعدها مباشرة على لسان الضو :
بكاهو آه .... ما هو الإله
يا دكة السلطة ودخانا وشملتا

فالإله ليس هو الذي أراد هذا فهذه ليست شريعته بل الذي أبكاه هو السلطة وما يتبعها من لذات حسية فالدكة كلمة لها معنيان ، الأول بمعنى المصطبة التي يجلس عليها الناس للسمر ، والثاني هي ما تستخدمه النساء في الزينة والتجمل للرجال والدخان إما أن يكون المقصود به دخان الطلح الذي تستخدمه النساء في الزينة أو يكون المقصود به دخان المشعوذين ودخان التبغ ، أما الشملة فمعناها ما تلتف به النساء للتعرض للدخان وهي تستر الجسد من أعلاه إلى أدناه فإما أن تكون هي المقصودة أو يكون المقصود بها ما يستر السلطة من مال وجاه وجبروت .

وبعد أن يصف حميد كل هذا يعود فيقول :

يا مسمي محنتنا امتحان ...
مرات قدر ... حيناً غضب
ناكر جبيهتنا وصلاةً صلتا
يوم يمحق الصاح الختا
وين تمشي من غضب الغلابة
اللابكتلك نازلتها ولا شكتلك علتا ؟
لملم خرافاتك عليك
ما حرقت نظريتي ليك
بس روحنا حقرتك سلتا
وبنجيبها ضربتنا وتصيب في حزتا
وفي حزتك يا بيتنا كب
ويا بيت أمير المؤمنين إت إتنكب ... إت إتنكب

وأجمل ما في هذه الأبيات أن تترك بلا تعليق سوى ما يفهمه القاري بفطنته.



مصعب حامد الكامل
مصعب حامد الكامل
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه

عدد المساهمات : 66
نقاط : 138
تاريخ التسجيل : 07/12/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty دراسة نقدية لشعر حميد – 3

مُساهمة من طرف مصعب حامد الكامل الأربعاء يونيو 08, 2011 12:31 pm

دراسة نقدية لشعر حميد – 3
بقلم الاستاذ/ القاص الأديب فيصل عباس



الملامح الرمزية في شعر حميد

شعر حميد مليء بالإيحاءات الرمزية ، منها ما هو الواضح البيَّن حتى يكاد يفقد معنى الرمز ومنها ما يحتاج إلى إعمال الفكر قليلا ومنها ما هو يكاد يكون طلسماً.

من يقرأ حميد بتأني يستطيع أن يرى عدة رموز تستوقفه ، فمثلا لابد أن يلاحظ تكرار الرقم ستة في العديد من القصائد والمناسبات فمثلا في قصيدة ست الدار يقول:

ستة خرفن وتيس ما كفن

وفي نفس القصيدة يقول :

هي يا الزين زغرد ...
بت أم زين جابتلها بت
ستة أولاد حتان البت

أما في قصيدة الجابرية فيقول :
إلا في ستة من الجابرية قالوا ..
تعبكم خارم بارم
يذهب حاكم خلف الحاكم
والجابرية بلد في حالها

أو :
ستة سنين قابض فوق جمرو

أو :
إلا الستة الصارو جماعة


فماذا يقصد حميد بالرقم ستة ؟

كنا في جلسة مناقشة نحن مجموعة من الأصدقاء ودار جدل حول هذه النقطة فقال بعضهم إنها ليست إلا رقم عادي جاءت به أوزان القصيدة وزعم البعض أنه يقصد أيام الأسبوع ويقصد بالتيس الجمعة ولكن هذا الرأي ليس صحيحاً لأن حميد يقول :

ستة خرفن في فد يوم إنصفن

فالرمز الذي يقصده حميد بالرقم ستة هو الأحزاب ( الاتحادي الديمقراطي – الأمة – البعث – الشيوعي – الناصري – الوحدة الجنوبي) أما التيس فيقصد به الحركة الإسلامية أو الجبهة الإسلامية القومية آنذاك ، بالإضافة إلى أن اللحية التي هي أحد صفات الإسلاميين ، وحميد يجعلها وجه الشبه بين الإسلاميين والتيس ، وكان الرئيس جعفر نميري قد انقلب على جميع الأحزاب لذا أشار حميد إلى أن :
ستة خرفن وتيس ما كفن

ثم عاد نميري فاستعان بالإسلاميين وصفى وحَجَر على بقية الأحزاب وطاردها ومنع نشاطها لذا قال حميد :
ستة خرفن في فد يوم إنصفن

ولم يأتي لذكر التيس ، ثم نجد نفس الرمز يتكرر في نفس القصيدة عندما تقول ست الدار مخاطبة زوجها الزين :

هيي يا الزين زغرد
بت أم زين جابتلها بت
ستة أولاد حتان البت

نجد أن ميلاد الأحزاب السودانية الستة أقدم من ميلاد الحركة الإسلامية أو الجبهة الإسلامية القومية أو جبهة الميثاق ، وهنا حميد يسخر سخرية مبطنة داخل الكلام حيث أنه من المعروف في البيئة السودانية عدم الاهتمام بميلاد الفتاة حيث يرغب الناس في ميلاد الأولاد ، وعند الفرح تزغرد النساء وليس الرجال لذا ينعكس الحال في واقع القصيدة إذ لابد أن يزغرد الزين لأن بت أم زين " وهي السودان " جابتلها "بت" فحميد في عداءه للحركة الإسلامية يجعلها تيسا وسط الخراف ، أو فتاة وسط الأولاد واختياره لوصفها بالفتاة إذ أن وجهة نظره أن التراخي من سمات الحركة حيث يقول في الجابرية واصفا إمام الحلة في الصلاة :

صوتو مرخرخ لامن يقرا
يقرا ويقطع ... زي البِطرا
عند الركعة ركوعو متختخ
عند السجدة سجودو ممخمخ
شيخ الحلة بقول في أمرو
زول غرقان في الدين من عمرو
ستة سنين قابض فوق جمرو
وما فكاه طريق الله

فتراخيه حتى في قرأته في الصلاة فالصوت مرخرخ وهذا ليس ناتجاً عن ضعف الحبال الصوتية أو ليس التراخي في الصوت فقط ، بل إنه عند الركوع ركوعه متختخ وكذلك عند السجود اشد حالات التراخي حيث أنه ممخمخ وحميد لا يقرن هذا التراخي بالرجل لذاته بل لكل الذين انضموا له فليونة هذا الرجل يعقبها تساؤل يدور في أذهان العامة لذا يجيب عليه شيخ الحلة – وهنا إشارة خفية في كلمة شيخ الحلة – بأن هذا الرجل غرقان في الدين منذ أن كان عمره ستة سنوات وهذا أيضاً رمز .
وحميد لا يقر هذا ، فالدين ليس تراخي ولا ينتج عنه تراخي فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وحميد يبين حجته في الأبيات التي تلي هذه المذكورة.

وفي قصيدة الجابرية يقول حميد :

إلا في ستة من الجابرية ...
قالوا تعبكم خارم بارم
يذهب حاكم خلف الحاكم
والجابرية تظل في حالها
حلة حياتها تسر الظالم
لا جلكوز لا تقرا رسالة
ولا راح يطلع منها عالم

يشير حميد هنا إلى أن من وقف في وجه الخداع والظلم في الجابرية التي هي السودان المصغر هم فقط ستة أفراد وأخفى حميد السابع في بناء القصيدة إلا انه ذكره بشكل عرضي "تسر الظالم " وعندما تولى شيخ البلة دائرة الجابرية في الديمقراطية نجد أن الستة كانوا هم موضع المعارضة الفعالة التي لا تبالي برضاء شيخ البلة الذي مثل الحزب الحاكم فقال :

إلا الستة الصاروا جماعة
قالوا دا زول تربايته مياعة
ما بشبهنا رفعة وضاعة
وقصة دينو ودقنو بضاعة
ونحن آمالنا تباعة
وإما مباعة
وفي الحالتين آمالنا مضاعة

ثم يستمر حميد في تحديد سمات هؤلاء الستة الذين لا يمثلون ذواتهم فقط إنما يمثلون القوة الفاعلة في المجتمع لذا كان لابد أن يُبعدوا من المجتمع حتى لا يكونوا نواة التفجير فيه فيقول حميد ممثلاً اعتقال الستة :
ومن يوم داك ما شفنا الستة

كما أن حميد عندما يريد أن يصف شيخ البلة على لسان شيخ الحلة الذي يعتبر من حزبه – لاحظ السخرية في توارد كلمة شيخ – فيقول :

شيخ الحلة بقول في أمره …
زول غرقان في الدين من عمره…
ستة سنين قابض فوق جمره
ومافكاه طريق الله

ولكن الستة يرفضون هذا التبرير غير المقنع لنعومة هذا الشيخ ...وهكذا.
كما أن حميد يستخدم لفظ الاثنين كرمز للدلالة على حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي فيقول في قصيدة تلغرافات على لسان ست الدار :

التومات طيبات ونصاح
إلا غُباش باللحيل آ الزين

أو :
التومات أول البارح جني يرطنن

قالن أنحنا الخواجات

وفي قصيدة الضوء وجهجهة التساب المعروفة باسم البحر لا يأتي ذكر التومات صراحة بل ضمنياً في كلمة (فرخينو) أي فرخيه وفرخا القمري رقم مزدوج ككلمة التومات التي ذكرها حميد بقوله:
عش قمري بي فرخينو ...
كان من حظ ورل

أو :
عصرت على طرف الطريق
عقدت سفنجتها بي دلق
كان كل فردة جارها من بلد
وينشافن الاتنين خضر
والليل ستر... الليل ستر

فهو يقصد بالتومات حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي كما ذكرنا وإشارته إلى (غباش باللحيل) كناية على عدم أي تجديد في خطط الحزبين منذ أمد بعيد وسيطرة وجوه محددة على مقاليد وآراء الحزبين وهو عندما يقول :

التومات أول البارح جني يرطنن
قالن أنحنا الخواجات

فهو يشير إلى تقليد بعض زعامات الحزبين إلى الأجانب أو ميلهم إلى الدعم الخارجي والمعارضات الخارجية ثم عندما يقول :

العضمين الروكة أنزرعن

يشير إشارة واضحة إلى التجديد في الحزبين بانضمام جيل من الشباب الذين نظروا إلى موروث الحزب من زاوية أن الأفراد يمضوا ويبقى الحزب ، أو بصيغة أخرى أن الولاء ليس لفرد بعينه أو مصلحة بعينها إنما الولاء للحزب والمصلحة مصلحة الحزب ، لهذا فهذه هي الزراعة التي لحقت بالحزبين أو العضمين الروكة .

ثم نجد إشارة عددية أخرى تتكرر في قصيدة ست الدار مرتين حيث يقول على لسان ست الدار بت أحمد :
كانوا حداشر وخواجية
ثم يقول في نفس القصيدة على لسان الزين ود حامد:

شرقت شمس اليوم التاني
كنا حداشر ونوباوية
متهمننا بالتخريب والتحريض والشيوعية

وتناقشنا في معنى هذا الرمز العددي فقال جزء من الأصدقاء إنه يقصد انشقاق الأحزاب على بعضها البعض كما يقول أحمد مطر :

أكثر الأشياء في بلدتنا
الفقر والأحزاب وحالات الطلاق
عندنا عشرة أحزاب
ونصف الحزب في كل زقاق
كلها يسعى إلى نبذ الشقاق
كلها ينشق في الساعة شقين
وعلى الشقين شقان من أجل تحقيق الوفاق

ولكن هذا التفسير ينقصه معنى الإشارة إلى التأنيث في (خواجية ونوباوية) فهي لا تستقيم مع هذا التفسير لذا فقد قال أحدهم إنه يقصد قوله تعالى :"إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " فست الدار تقصد بالحداشر أخوة يوسف والتأنيث لها أما الزين فهو يعقوب عليه السلام إلا أن المعنى أيضاً لا يستقيم فست الدار لا تحلم وليس هناك نبوءة تتحقق وما وصلنا له أن حميد يقصد عدد شهور السنة الاثني عشر ويؤنث الشهر الذي حدث فيه الانقلاب ، فجعفر نميري عندما قام بالانقلاب استعان بالرموز الوطنية في الحزب الشيوعي لذا كان شهر الانقلاب نوباوية أما عندما انقلب على الشيوعيين صار خواجية إشارة إلى استعانته بأجانب .

إذا تركنا الترميز العددي جانباً نجد أن حميد يملأ شعره بترميز آخر يكاد يخلب اللب فهو يقول في نورا :
مرة شافت في رؤاها
طيرة تآكل في جناها
حيطة تتمطى وتفلع
في قفا الزول البناها

حلم نورا في هذه القصيدة هو واقع حال الشيوعيين مع ثورة مايو فالشيوعيون هم من أتى بمايو ووضعوا نميري في سدة الحكم على أن يحكموا هم بتوجيه النميري لكل الخطوات التي يرغبون فيها إلا أن النميري انقلب على الشيوعيين قتلا ومطاردة وتشريداً فكان كأنه "حيطة تتمطى وتفلع في قفا الزول البناها"

كذلك اتجه حميد إلى الترميز برمز واضح في اسم راشد إذ يقول في ست الدار :
شهر اتنين المدرسة تأجز
شهر اتنين حا نطهر رشد
وراشد حالف ما يطهر
إلا أبوه وعمتو تحضر
وإلا يجيبوا الغنايين
شان الشول بت سرنا ترقص
قلنا نجيب المداحين
طنطن راشد "ياخ أنا جايي من الحج"
وعارف راشد لما يطنطن....
كل الدنيا الفوقي تطنطن
غايتو بشر بس ربي يهون
ربي يهون

راشد هو الاسم الكودي لعبد الخالق محجوب والمقصود به هنا الحزب الشيوعي ككل ، فالتطهير داخل الحزب كان من سمات الحزب الشيوعي الأولى والميل للدنيا بشكل عام "الغنايين" وليس إلى الآخرة "المداحين" كما أن الحزب الشيوعي كان من اكثر الأحزاب نشاطاً في إشعال الثورات والإضرابات العمالية أو المظاهرات الطلابية لذلك " وعارف راشد لما يطنطن ... كل الدنيا الفوقي تطنطن... غايتو بشر بس ربي يهون " فراشد ليس فرداً عادياً لكي ما يكون غضبه غضباً عادياً .
ويتجه حميد اتجاهاً أخراً في الرمزية في قصيدة الضو وجهجهة التساب حين يرمز لكل الأحزاب السياسية بالكلاب ثم يختار لكل حزب صفة يلحقه بها فهو يقول :

يا الدنيا كيف متقلبنة
تصحا العصافير الوديعة
مع الصباح متخلقنة
شر الكلاب متمسكنة
وين جرتا وهوهيوا وين
الليلة غاب
كلب الجناين زيو زي كل الكلاب
كلب الغلابة المستغلين العبيد
الليلة ريس سيد مهاب
كلب أب زهانة تهينو هانة
ومن المهانة تقولو (تك)

فماذا يريد حميد أن يقول ؟ وعلاما يرمز بكل هذه الكلاب ؟ وما المقصد من هذه الرمزية ؟
أولاً وقبل كل شيء حميد لا يقصد الإهانة بكلمة (كلب) بل يقصد التبعية غير المشروطة كتبعية الكلب لصاحبه هو يقصد بالعصافير الوديع طلاب المدارس والجامعات الذين كانوا يخرجون في الصباح الباكر إلى المدارس ولكنهم أخذوا يخرجون إلى المظاهرات التي كانت الشرارة للانتفاضة فهذه العصافير الوديعة تستيقظ منذ الصباح في أشد حالات الغضب (متخلقنة) ثم يعرج حميد ليستعرض باقي تشكيل الشارع السياسي أو الشارع السوداني فهو يرمز بكلمة شر الكلاب ويقصد بهم الشرطة أو رجال الأمن ففي حالة مسكنة لا يستطيعون شيئاً مما يجعل حميد يتساءل ساخراً ( وين جرتا وهوهيوا ؟ وين؟) فهذه العنترة قد غابت عنها وصارت لا حول لها ولا قوة بل أنها صارت تخشى على نفسها ثم يتساءل عن كلب الجناين الذي صار مثله كمثل بقية الكلاب لا تمييز له عن غيره ، وحميد يقصد بكلب الجناين اتباع حزبي الأمة و الاتحادي الديمقراطي الذين هم أحزاب لها جنائنها المعروفة في العاصمة المثلثة وبيوت عريقة ، وهم يعتبرون أنفسهم مميزون إلا أن هذه الأحزاب في انتفاضة السادس من أبريل صارت مثلها مثل البقية لا امتيازات لها ، أما عن كلب الغلابة المستغَلين العبيد وهو يقصد به أتباع الحزب الشيوعي السوداني ففي رؤية حميد أن الحزب الشيوعي هو ناصر الفقراء والمستضعفين في الأرض (يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة ... اتحدوا) فهذا الكلب اليوم ريس سيد مهاب تخشاه جميع الكلاب أي أن الحزب الشيوعي في تلك الأيام تخشاه جميع الأحزاب وهذا رأي لا يخلو من وجاهة وقد يقصد حميد بكلب الغلابة الجماهير عموماً ولكن هذا رأي ضعيف.
ثم يسخر حميد تلك السخرية المبطنة بالرمز في كلمة كلب ود أبزهانة ويقصد بهم أفراد جهاز الأمن وأتباع الرئيس جعفر نميري فهذه الكلاب صارت لا حول لها ولا قوة إلى درجة الإهانة البالغة التي تستطيع فيها أن تقول لهذا الكلب (تك) التي تقال للماعز(كلب ود أبزهانة تهينو هانة... ومن المهانة تقولو تك) ، وهذه السخرية التي تثير في داخلك آلاف الخيالات كذلك الضحك من حال هذا الكلب إنما هذا هو حال انقلابات الفرح فالدنيا لا تبق على حالٍ واحدة فهي تدور على كل أهلها .
ومما يدل على أن حميد قصد نميري بكلب ود أب زهانة قوله في قصيدة ست الدار على لسان ست الدار :
زولك دا يحير ....
وكت الجد كان أدى ينقنق
وكت الفارغة يشيل ويبعزق

فهذه هي الرعونة الحقة -وهنا كلمة (كان) بمعنى (إذا)- وهذه إشارة لسياسة الصرف غير الرشيدة في عهد الرئيس النميري.
مصعب حامد الكامل
مصعب حامد الكامل
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه

عدد المساهمات : 66
نقاط : 138
تاريخ التسجيل : 07/12/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty رد: دراسة نقدية لشعر حميد – 1

مُساهمة من طرف جبريل خميس محمد السبت يونيو 11, 2011 1:15 am

شكرا عميقا لك اخي مصعب...انت عزفت علي وتر حساس يطربني جدا اخي لا اخفي عليك انا أعشق شعر حميد من الثانوية اواخر التسعينات مرورا بالجامعة حتي هذه اللحظة ولكن هذا الناقد للحقيقة والتاريخ رجل يتنفس شعر حميد ويعشق شعره من راسه حتي أخمص قدميه وبكل صراحة كمًل كلامي فنقد بل اقول شرح فاوجز فأوفي..... إنه ناقد بصير في شعر هذا الاسطورة.....شكرا لك مرة اخري اخي مصعب وأعدك بان انشر لك الضو كاملة دون ان تنقص حرفا وبعدها ست الدار بت احمد وبعدها الجابرية و......و......
جبريل خميس محمد
جبريل خميس محمد
مشرف صحتك والاسره
مشرف صحتك والاسره

عدد المساهمات : 161
نقاط : 291
تاريخ التسجيل : 22/05/2011
العمر : 47
الموقع : السعودية-الطائف

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty ولك شكرى

مُساهمة من طرف نجم الدين سليمان السبت يونيو 11, 2011 6:34 am

تشكر اخى مصعب على هذا العمل الجميل الرئع والجهد المقدر المبزول وحتما مثل هذه الدراسات ستجعل المنتدى اكثر جازبيه وفاعلا وحقا هى اضافات قيمه ونافذه لطرح الافكار وابراز المواهب الشعريه المدفونه لدى البعض وهاكذا نريد ان نراكم شعل تضى على منابر العلم والمعرفه ودمتم

نجم الدين سليمان
مشرف المنتدى السياسي
مشرف المنتدى السياسي

عدد المساهمات : 77
نقاط : 85
تاريخ التسجيل : 08/04/2011
العمر : 54
الموقع : الخرطوم بحرى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty رد: دراسة نقدية لشعر حميد – 1

مُساهمة من طرف جبريل خميس محمد السبت يونيو 11, 2011 12:50 pm

نجم الدين بكل مكان نعم الرفيق في هذا المنتدي رغم اننا لم نلتقي ولكن الان كاننا التقينا وذلك أروع لقاء فتقبل تحياتى واشواقي لك ولا أخفي عليك بأنني رفعت لك القُبعة تحية عسكرية
جبريل خميس محمد
جبريل خميس محمد
مشرف صحتك والاسره
مشرف صحتك والاسره

عدد المساهمات : 161
نقاط : 291
تاريخ التسجيل : 22/05/2011
العمر : 47
الموقع : السعودية-الطائف

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty الشكر لله اولا

مُساهمة من طرف نجم الدين سليمان الأحد يونيو 12, 2011 3:43 pm

تشكر اخى د.جبريل قيل من لايشكر الناس لا يشكرالله فحقا لكم الشكر انتم اولا فقد استفدنا منكم الكثير فى هذا المنتدى وكانت معرفتكم هى الاهم بالنسبه لنا ونحن فخورين بحق ان نرى من ابنائنا امثالكم فحق مصدر فخر واعزاز لنا كثير من الشباب مجرد خروجه من الجزيره ينسى اهل الجزيرة الا من له معه مصلحه وقد شهدت من ينسب نفسه الى كوستى اويقول انا من الخرطوم الواحد يستنكر وينسى اصله وهذا والله ناكر للجميل
اما اخى بخوص التحيه فان التحيات لله وهى مقبوله منك ولك مثلها واكثر بس صراحه انابخليها فى المكتب مايندوره يمكن بدون جنابو احسن معى كثير وقد اصبحت حريص على دخول المنتدى لارى ماذا كتبتم وكل تعليقات الاخوه فلهم منا كل الشكر واعاد الله غربتكم غانمين انشاء الله

نجم الدين سليمان
مشرف المنتدى السياسي
مشرف المنتدى السياسي

عدد المساهمات : 77
نقاط : 85
تاريخ التسجيل : 08/04/2011
العمر : 54
الموقع : الخرطوم بحرى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty رد: دراسة نقدية لشعر حميد – 1

مُساهمة من طرف جبريل خميس محمد الأحد يونيو 12, 2011 11:36 pm

حقيقة من لا يشكر الناس لا يشكر الله.....الذين يتنكرون للاصل والفصل وينسبون أنفسهم الي كوستي والخرطوم بدل الجزيرة ابا التاريخ والريادة والشموخ....إنهم يصنفون تحت طائلة مرض نفسي إسمه الشيزوفرينيا اي إنفصام الشخصية يعني الواحد عايش شخصيتين واحدة حقيقية والاخري زائفة وإذا إستمر الوضع تبقي كلا الشخصتين زائفة ويتحول الي إكتئاب,,,,,,,,,واحيانا يصنفون تحت مسمي إنسان مُعقًد بالعامية وايضا العُقًد موجوده في الطب النفسى وكل هذه الادواء ناتجة من الجهل وعدم القناعة وقلة الايمان وضعف الروحانيات وشفانا الله واياكم
جبريل خميس محمد
جبريل خميس محمد
مشرف صحتك والاسره
مشرف صحتك والاسره

عدد المساهمات : 161
نقاط : 291
تاريخ التسجيل : 22/05/2011
العمر : 47
الموقع : السعودية-الطائف

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty رد: دراسة نقدية لشعر حميد – 1

مُساهمة من طرف مصعب حامد الكامل الأحد يونيو 19, 2011 12:24 pm

لكما التحية اخوتي واحبابي جبريل ونجم الدين
بالجد انتو الساس وانتو الراس
ومساهماتكم الجميله والموضوعيه هذه اكيد هي الدينمو المحرك لعجلة الانطلاقة بالمنتدي الي العالمية ان شاء الله
مصعب حامد الكامل
مصعب حامد الكامل
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه
مشرف قسم الكتب والبرامج والاسطوانات الاسلاميه

عدد المساهمات : 66
نقاط : 138
تاريخ التسجيل : 07/12/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty وتمضى المسيرة

مُساهمة من طرف نجم الدين سليمان الأحد يونيو 19, 2011 4:32 pm

الاخوه الكرام
ما ننشده حقا نهضة وتقدم المنطقه وهذا للامانه لايتم الا بجهد الشباب وهو ما يمكن ان تحققه اهداف المنتدى
نعم هناك عدد لاباس به من اعضاء المنتدى ولا كن بعض الاخوه ربما فقد او نسى كلمة الدخول للمنتدى لذالك هم محجوبون عن المنتدى يجب ان تكون هناك فاعليه ومتابعه لما يكتب وكل واحد يعلق بما يرى فى نفسه حتى تعم الفائده ونصلح ما افسده الدهر
هناك بعض المواضيع التى تطرح تحتاج الى وقفه من الجميع لانها تهم الجميع( وايد على ايد تجدع بعيد)نتمنى من الجميع الفاعليه والتواصل مع المنتدى حتى تزيد اواصر الترابط بين الاعضاءوالله نساله التوفيق

نجم الدين سليمان
مشرف المنتدى السياسي
مشرف المنتدى السياسي

عدد المساهمات : 77
نقاط : 85
تاريخ التسجيل : 08/04/2011
العمر : 54
الموقع : الخرطوم بحرى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية لشعر حميد – 1 Empty رد: دراسة نقدية لشعر حميد – 1

مُساهمة من طرف جبريل خميس محمد الإثنين يونيو 20, 2011 4:07 pm

أضم صوتي الي الحبيب نجم الدين وبالصوت العالي لاحباب المنتدي الذين استكانوا ولم نسمع لهم صوتا....عليكم بتحريك الماء الراكد ونفض عباءة الكسل وعليكم مشاركة الرأى والنقاش حتى تعم الفائدة
جبريل خميس محمد
جبريل خميس محمد
مشرف صحتك والاسره
مشرف صحتك والاسره

عدد المساهمات : 161
نقاط : 291
تاريخ التسجيل : 22/05/2011
العمر : 47
الموقع : السعودية-الطائف

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى